کد مطلب:280426 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:210

البیان و الانذار
أقامت الدعوة الإلهیة الخاتمة حجتها علی أهل الكتاب، وبینت لهم أن الله تعالی منذ بعث نوح علیه السلام لم یرسل بعده رسولا ولا نبیا إلا من ذریته، وكذلك إبراهیم علیه السلام لم ینزل من السماء كتابا ولا أرسل سبحانه رسولا ولا أوحی إلی بشر من بعده إلا وهو من سلالته، قال تعالی: (ولقد أرسلنا نوحا وإبراهیم وجعلنا فی ذریتهما النبوة والكتاب) [1] وبینت الدعوة الخاتمة أن جمیع الأنبیاء یدعون إلی عبادة الله وحده لا شریك له، قال تعالی (وما أرسلنا من قبلك من



[ صفحه 223]



رسول إلا نوحی إلیه إنه لا إله إلا أنا فاعبدون). [2] وإن إبراهیم علیه السلام لم یدع غیره ولا أشرك به طرفة عین، وتبرأ من كل معبود سواه، ومن ترك طریقة إبراهیم علیه السلام یكون قد ظلم نفسه بسفهه وسوء تدبیره بتركه الحق إلی الضلال، وبینت الدعوة أن إبراهیم علیه السلام وصی بنیه بالإسلام وبنیه وصوا أبناءهم به من بعدهم، قال تعالی: (ووصی بها إبراهیم بنیه ویعقوب یا بنی إن الله اصطفی لكم الدین فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون، أم كنتم شهداء إذ حضر یعقوب الموت إذ قال لبنیه ما تعبدون من بعدی قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهیم وإسماعیل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون). [3] .

وبینت الدعوة الخاتمة بأنها تؤمن بكل نبی أرسل، وأخبرت أن كل من سلك طریقا سوی ما شرعه الله فلن یقبل منه وهو فی الآخرة من الخاسرین، قال تعالی لرسوله (ص) (قل آمنا بالله وما أنزل علینا وما أنزل علی إبراهیم وإسماعیل وإسحاق ویعقوب والأسباط وما أوتی موسی وعیسی والنبیون من ربهم لا نفرق بین أحد منهم ونحن له مسلمون. ومن یتبع غیر الإسلام دینا فلن یقبل منه وهو فی الآخرة من الخاسرین)، [4] وأعلنت الدعوة من یومها الأول أنها علی ملة إبراهیم علیه السلام قال تعالی: (ثم أوحینا إلیك أن إتبع ملة إبراهیم حنیفا)، [5] وقال جل شأنه لرسوله (ص) (قل إننی هدانی ربی إلی صراط مستقیم دینا قیما ملة إبراهیم حنیفا وما كان من المشركین. قل إن صلاتی ونسكی ومحیای ومماتی لله رب العالمین لا شریك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمین). [6] .



[ صفحه 224]



لقد بینت الدعوة الإلهیة الخاتمة للبشریة العقیدة الحقة، وأقامت الحجة علی أهل الكتاب لیتفكروا ولیتدبروا. لیعلموا أن دین إبراهیم برئ من جمیع العقائد التی علیها بصمات العجول وآلهة الأمم المتعددة، وأن دین إبراهیم لا علاقة له بعقائد التثلیث وألوهیة المسیح، ولم تكن مهمة إبراهیم علیه السلام فی یوم من الأیام هی البحث عن المیراث من النیل إلی الفرات، وإنما كان علیه السلام إماما للناس، یقتدون به ویتبعونه فی أقواله وأفعاله، وهذه الإمامة لا ینالها ظالم من ولده، لأن الله لا یجعل الظالمین أئمة ولا یعطی الإمامة لعدوه. لأن هؤلاء یأتون كنتیجة لأعمال الظالمین من الناس، والله تعالی رؤوف بالعباد، والناس تحت مظلة الاختبار یمتحنون، فمن سلك طریقا علی ذروته إمام للرحمة والعدل. وصل إلی غایته، ومن سلك طریقا علی ذروته إمام یدعو إلی النار، دخل فیها.

وعلی امتداد عهد البعثة الخاتمة، بین الرسول الأعظم محمد صلی الله علیه وآله وسلم، أن شریعته تنهی عن الفحشاء والمنكر وتأمر بالمعروف، وتحذر من البغی والاستكبار والاختلاف، وتنادی بالعدل والإحسان والاستقامة، وتدعو إلی العمل الصالح والتفكر والتدبر والإصلاح والإخلاص، وإن منهج الدعوة عموده الفقری هو التوحید، وشجرته الأخلاق الفاضلة، إلی غیر ذلك من الأوامر والنواهی.

وعلم أهل الكتاب وغیرهم أن الأرض لله یورثها من یشاء من عباده. وقال تعالی: (إن الأرض لله یورثها من یشاء من عباده والعاقبة للمتقین)، [7] ولقد أختبر الله تعالی الفرع الإسرائیلی من الشجرة الإبراهیمیة. وبعث فیهم الأنبیاء والرسل لینظر سبحانه كیف تعمل القافلة، وعلم أهل الكتاب كیف سارت القافلة. وبماذا حكم الله علیها.



[ صفحه 225]



وهذا الحكم یقرؤه فیما بین أیدیهم من التوراة الحاضرة، ومنه قول الرب لهم ها أنذا أنساكم وأرفضكم من أمام وجهی أنتم والمدینة التی أعطیتكم وآبائكم إیاها. وأجعل علیكم عارا أبدیا وخزیا أبدیا لا ینسی، [8] وقال: هوذا من أجل آثامكم بعتم. ومن أجل ذنوبكم طلقت أمكم، [9] وبین هذا الحكم وبین البعثة الخاتمة. قتلوا الأنبیاء الذین بعثهم الله لإقامة الحجة علی الأجیال المتعاقبة، وعندما جفت المسیرة من الماء. بعث النبی الخاتم صلی الله علیه وآله وسلم لیختبر الله تعالی بمنهجه أمة جدیدة فی مقدمة عالم جدید.

وببعثة النبی الخاتم. حكمت الدعوة الإلهیة حكمها الفصل علی قصة المیراث. التی سهر علیها بنی إسرائیل لیلا طویلا، وذلك ببسط الدعوة یدها علی المسجد الحرام والمسجد الأقصی فی رحلة واحدة فی لیلة واحدة، قال تعالی: (سبحان الذی أسری بعبده لیلا من المسجد الحرام إلی المسجد الأقصی الذی باركنا حوله)، [10] فالمیراث بدأت حدوده من موضع سجود. وانتهت إلی موضع سجود، وهو ممتد إلی كل موضع سجود، ولیس معنی هذا أن الدعوة الخاتمة تبحث عن الأرض والطین، وإنما معناه أنها ترعی التقوی فی أی مكان وتعمل من أجل الاصلاح فی كل مكان، ترعی التقوی لأن العاقبة للمتقین، وتعمل من أجل الاصلاح حتی یرث الصالحون، قال تعالی: (ولقد كتبنا فی الزبور من بعد الذكر أن الأرض یرثها عبادی الصالحون). [11] .

ولأن الدعوة تقوم علی التوحید، ولأن التوحید هو الحصن



[ صفحه 226]



الحصین الذی یحفظ الإنسان من الزلل، قال رسول الله (ص) والذی نفس محمد بیده. لا یسمع بی أحد من هذه الأمة یهودی ولا نصرانی ثم یموت ولم یؤمن بالذی أرسلت به. إلا كان من أصحاب النار، [12] وروی أنه (ص) ذهب إلی یهود. وقال لهم یا معشر یهود أسلموا تسلموا فقالوا: قد بلغت یا أبا القاسم. فقال أسلموا تسلموا فقالوا: قد بلغت یا أبا القاسم فقال ذلك أرید (أی: أرید أن تعرفوا أنی بلغت) ثم قال لهم إعلموا إنما الأرض لله ولرسوله، وإنی أرید أن أجلیكم من هذه الأرض، فمن وجد منكم بماله شیئا فلیبعه، وإلا فاعلموا أن الأرض لله ورسوله [13] فالرسول (ص) بلغ بالإسلام، ولكن القوم كانت عیونهم علی الأرض والطین، لأنهم من أجل هذا المیراث یعملون، فوقفوا بما یعتقدون أمام القول الفصل وهو إعلموا أن الأرض لله ورسوله. ولم یكن الجلاء من جزیرة العرب عقابا وحیدا للذین یصدون عن سبیل الله، وإنما أنذرهم الله بعقاب ألیم فی الحیاة الدنیا والآخرة، قال تعالی: (یا أیها الذین أوتوا الكتاب آمنوا بما أنزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها علی أدبارها. أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمرا مفعولا). [14] قال فی المیزان: دعاهم الله تعالی إلی الإیمان بالكتاب الذی نزله مصدقا لما معهم، وأوعدهم بالسخط الذی یلحقهم لو تمردوا واستكبروا من طمس أو لعن یتبعانهم اتباعا لا ریب فیه، وطمس الوجوه محو هذه الوجوه التی یتوجه بها البشر نحو مقاصدهم الحیویة مما فیه سعادة الإنسان المرتقبة والمرجوة، وهذا المحو لیس هو المحو الذی یوجب فناء الوجوه وزوالها، بل محو یوجب ارتداد تلك الوجوه علی أدبارها، فإذا كانت الوجوه تقصد مقاصدها علی الفطرة التی فطر الله



[ صفحه 227]



الناس علیها، فإن الوجوه المطموسة لا تقصد إلا ما خلفته وراءها ولا تمشی إلیه إلا القهقری، وهذا الإنسان الذی یسیر فی غیر اتجاه الفطرة كلما توجه إلی ما یراه خیرا لنفسه وصلاحا لدینه ودنیاه لم ینل إلا شرا وفسادا، وكلما بالغ فی التقدم زاد فی التأخر ولیس بفالح أبدا، وقوله تعالی: (نطمس وجوها) فیه أنه تعالی أتی بالجمع المنكر، ولو كان المراد الجمیع لم ینكر، ولتنكیر الوجوه وعدم تعیینها هدف من ورائه حكمة، هی أن المقام لما كان مقام الإبعاد والتهدید وهو إبعاد للجماعة بشر لا یلحق إلا ببعضهم، كان إبهام الأفراد الذین یقع علیهم السخط الإلهی أوقع فی الانذار والتخویف، لأن وصفهم علی إبهامه یقبل الانطباق علی كل واحد من القوم، فلا یأمن أحدهم أن یمسه هذا العذاب. [15] .


[1] سورة الحديد آية 21.

[2] سورة الأنبياء آية 25.

[3] سورة البقرة آية 131.

[4] سورة آل عمران آية 162.

[5] سورة النحل آية 123.

[6] سورة الأنعام آية 162.

[7] سورة الأعراف آية 128.

[8] أرميا 23 / 40.

[9] أرميا 17 / 2 - 4.

[10] سورة الإسراء آية 1.

[11] سورة الأنبياء آية 105.

[12] رواه مسلم (الصحيح 93 / 1).

[13] رواه مسلم (الصحيح 159 / 5).

[14] سورة النساء آية 47.

[15] الميزان 367 / 4.